حنان الخندقجي- تقرير لتلفزيون المملكة
في الذكرى الأربعين لوفاة الإعلامي محمد خير البوريني، كتبت زوجته، لينا إسماعيل، رسالة وداع أخيرة نشرتها عبر حسابه الشخصي في منصة فيسبوك، وبدأت في إدارته والتواصل مع أصدقائه في الموقع، وأعادت نشر صوره وكتاباته.
وتقول إسماعيل لـ "المملكة" إن قرار الاحتفاظ بحساب زوجها الراحل لم يكن سهلا، إذ زاد هذا من حزنها، وألمها، وأحيا ذكريات كثيرة.
"أتلقى إشعارات من فيسبوك كلما كتب صديق منشورا عن تفاصيل سعيدة جمعته بزوجي رحمه الله،" تضيف إسماعيل.
"لدي رغبة كبيرة في إبقاء ذكرى زوجي عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أردت القول للجميع إن روحه باقية لن ترحل، إذ ترك إرثا عظيما من البرامج المتلفزة، التقارير الإخبارية، والتغطيات الإعلامية، وجميعها تستحق أن تؤرخ، وتحفظ للأجيال اللاحقة."
لم تكن إسماعيل الوحيدة التي حاولت الحفاظ على إرث زوجها الرقمي في ظل عالم متغير.
علاء الشخاترة، صديق الفنان الراحل ياسر المصري، هو الآخر كان يتحرى عن سبل لتخليد ذكرى صديقه بعد أن حذفت عائلته حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي "حفاظا على خصوصيته"، بحسب ما أكد مصدر في العائلة لـ "المملكة".
الشخاترة، الذي لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي لسهولة استخدامها، وسرعة انتشار المحتوى فيها، أنشأ مجموعة خاصة للراحل المصري عبر فيسبوك وأسماها "قلب الحر ياسر المصري"، في إشارة للعمل الأخير الذي أنتجه ومثّل فيه.
واشترط الشخاترة على أعضاء المجموعة الالتزام في نشر فيديوهات، وصور، ومنشورات تتعلق بالفنان الراحل، حيث توزعت المشاركات من الجميع لتصب في السياق ذاته ، حتى أصبحت ذكرى وفاته السنوية حدثا مهما يرسل فيها أعضاء المجموعة عبارات المواساة، والترحم.
بصوت خافت يغلفه الحزن، روى الشخاترة لـ "المملكة"، قصة صداقته بالمصري، التي دامت لأكثر من 15 عاما، حتى أصبح صديق ظله، يشاركه أدق تفاصيل حياته وعمله.
بطرف شماغه الأحمر، مسح الشخاترة دموعه، وقال " ياسر كان حالة استثنائية لي، وعرف عنه تواضعه وتسامحه بالتعامل مع الجميع، وكان الشاب البدوي الأصيل الذي يحاول أن يجسد واقع أبناء جلدته من خلال الفن، والتمثيل في المسلسلات المحلية، والعربية، فالمورث الرقمي الذي تركه الراحل لا يقدر بثمن".
"مصطلح الميراث الرقمي لم يكن مألوفا قبل 5 سنوات، فقد ظهر نتيجة ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تعبر عالمنا الحالي"، كما يشرح لـ "المملكة" المحامي صخر الخصاونة، المختص في قضايا التقنية والإعلام الجديد.
ويضيف "الميراث هو الأصول والحسابات الرقمية للشخص بعد وفاته، أو حتى إصابته بعارض عقلي، أو مرضي يمنعه من استخدام حساباته، وتطبيقاته الإلكترونية، فتؤول هذه الحسابات للورثة، أو جهات معينة للوصول إليها وإدارتها، أو إلغائها بعد وفاة صاحبها".
المختص التقني كريم فريد، قال لـ "المملكة" عبر تطبيق المحادثات المجانية "سكايب"، "بعد مضي سنوات ستسيطر الحياة الرقمية على تفاصيل حياتنا العامة والخاصة، ويصبح كل شيء رقمي، بدءا من التواقيع الرسمية، المراسلات بين الأفراد سواء لغرض مهني، أو شخصي، وستصبح الحياة منظمة في معادلات رقمية خاصة متبادلة بين الأفراد، وإن كنا اليوم نشهد الجانب الأكبر منها".
كيف تستعد لوفاتك رقميا؟
"فيسبوك"، وفرت خيار حذف الحسابات الشخصية للمتوفين لحسم مصير حساباتهم في العالم الرقمي، حيث تتكدس مئات الحسابات على الموقع وتفقد خاصية التفاعل، وتتوقف عن كتابة المنشورات، أو نشر الفيديوهات، والصور، فيما تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى وفاة 8 آلاف مستخدم للموقع يوميا.
"لتجنب الدخول في فوضى رقمية، تنبهت فيسبوك، التي وصل عدد مستخدميها إلى 2.3 مليار مستخدم في 2018، إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة وتنظيمية حال وفاة مالكي الحسابات، وهذا ينبع من المسؤولية الاجتماعية، القانونية تجاه الأفراد والأعضاء على الموقع"، بحسب سفير فيسبوك في الأردن محمد النجار لـ "المملكة".
يوضح النجار أنه "يمكن لمالكي الحسابات على فيسبوك أن يستعدوا للوفاة بأنفسهم، من خلال تفعيل خاصية إدارة الحساب بعد الوفاة، التي تعطي الحق لأحد الأصدقاء بإدارة الحساب بعد وفاته، وحينها يتم تحويل الصفحة إلى حائط للذكريات، وهي إشارة إلى أن صاحبه قد فارق الحياة".
النجار يشير إلى أن "خاصية إدارة الحساب تكون محدودة لا تمكن المدير الجديد من الوصول إلى الرسائل الخاصة، والمعلومات غير المصرح بها، للحفاظ على خصوصية المتوفى".
"من الممكن أيضا التبليغ عن الوفاة من أصدقاء المتوفى، ويفضّل أن يكون من بينهم أقاربه، حينها سيطلب منهم إرفاق أوراق رسمية متعلقة بالبطاقة الشخصية، وشهادة الوفاة، وغيرها للتأكد من الحالة"، بحسب النجار.
"قد يكون مربكا عدم وجود سياسات فضلى أو واضحة في التعامل مع الموروث الرقمي بعد وفاة مالكي الحسابات، أو حتى جهة تتبنى عملية إدارة الموروث الرقمي في الشرق الأوسط مقارنة بدول أخرى، رغم حالة الوعي التي بدأت تتشكل لدى أصحاب الحسابات حيال محتواهم الذي يكتب يوميا، وما يدونوه في صفحاتهم ليظهر بعد الوفاة"، وفق ما تقوله مؤسسة شركة "ألو كلاود" للمحتوى الرقمي، هند خليفات.
وتتفق مديرة مركز حبق لحقوق الإنسان عبير البريم مع خليفات، بعدم وجود سياسة واضحة للتعامل مع الميراث الرقمي، لكنها متخوفة من تبعيات فوضى رقمية نشهدها اليوم، حيث تقول البريم "في ظل عدم وجود تنظيم رقمي محدد، سنشهد صراعات كثيرة مقبلة، فما بين حقوق المستخدم، وحقوق المطلع والمتتبع، تضيع الحقوق لكل منهما وتصبح متداخلة وأكثر تعقيدا".
حق الإنسان في النسيان الرقمي
"قبيل سنوات، وفي ظل فوضى رقمية تسكن العالم حاليا، ظهر طرح جديد في مفاهيم حقوق الإنسان وهو حق الإنسان في أن يُنسى، وأن تطوى صفحاته الإلكترونية، بعد وفاته، بإلغاء جميع متعلقاته الإلكترونية، لتدخل طي النسيان"، بحسب الخصاونة.
ويضيف "ليس كل الوقائع التي نعيشها رقميا تاريخية وينبغي إعادة نشرها، فالكثير من الوقائع الخاصة يجب أن تدخل طي النسيان عندما ينتقل توريث الحسابات إلى السلف، لأنها ستسبب لهم الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية، ويجب أن يتم تدريب وتوعية أبناء المجتمع حول حقوقهم، ومن الأفضل أن تدخل هذه التوعية ضمن أطر مناهج التربية الإعلامية لأطفال المدارس".
"عندما يتعلق الأمر بحق الإنسان بالنسيان ينقسم العالم إلى فكرتين، الأولى المدرسة الأوروبية، التي تذهب إلى ضرورة إلغاء جميع المعلومات عن الشخص بعد وفاته، وترسخ مبدأ النسيان في شبكات التواصل الاجتماعي لأنها ستمتلئ بمعلومات ميتة يصعب تخزينها لاحقا"، كما تؤكد البريم.
لكن القصة تبدو مختلفة على حد وصف البريم إذ إن المدرسة الأميركية تستند إلى الحق بالمعرفة والوصول، ومرجعيتها الدستور الأميركي أو الفيدرالية، أي أنه لا حدود للوصول إلى المعرفة، ومن حق الأجيال اللاحقة التعرف على الموروث الرقمي لأجدادهم، والاطلاع عليه، وحتى الاحتفاظ به، فهو بمثابة الكنز لهم".
قانون الميراث الرقمي في مرحلة المهد
تخضع الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بعد رحيل مالكيها، لسياسات داخلية لمؤسسات أطلقتها، وسياسات الاستخدام والتحكم توضح آليات التعامل مع هذه الحسابات، فمنهم من يورثها لذوي المتوفى بعد الوفاة، وما تبقى يعمل على دراسة كل حالة على حدة، وقد يأخذ الأمر منحنى آخر عبر اللجوء للقضاء للحصول على موافقة فتح الحساب بعد وفاة مالكه، كما حدث مع عائلة ألمانية لجأت إلى القضاء لفتح حسابات خاصة لابنتهم التي لم يتجاوز عمرها آنذاك 15 عاما، ولقيت مصرعها بحادث سير في مترو أنفاق.
الشكوك تسللت إلى تلك العائلة أن ابنتهم انتحرت، وما حدث ليس حادثا عرضيا، حينها تواصلوا مع فيسبوك للحصول على حساباتها، لكن الشركة منعت توريث الحساب، ليكون القضاء حينها الفيصل، لتقضي المحكمة عام 2015 بأن العقد المبرم بين المتوفاة وفيسبوك دخل ضمن موجب قانون الميراث، وبالتالي فإن المحتوى الرقمي الذي أنشأته هو حق لوالديها، لكن المحكمة أبطلت بعد عامين الحكم الصادر واستأنفت القضية، وحينها تبين لهم أن والديها قد استولوا على الحساب.
"قد يلجأ ذوو المتوفى إلى القضاء حال رغبتهم الحصول على حسابات المتوفين، لكن الأصل أن تورّث الحسابات بسهولة، فعلى سبيل المثال؛ ليس لموقع يوتيوب سياسة واضحة في التوريث، فكل حالة تدرس على حدة ويتخذ القرار الذي يحقق مصلحة الشركة والورثة"، بحسب المختص التقني فريد.
ويضيف "من زاوية أخرى، فإن جميع عوائد إعلانات يوتيوب يتم تحويلها إلى حسابات بنكية، والورثة هنا يمكنهم نقل الحساب بكل سهولة والحصول على الموروث المادي بشكل دائم".
المحامي صخر الخصاونة، يقول: "لو كانت هذه الصفحات شخصية، لعرض الصور، وتبادل المعلومات، فمن الصعب تقييمها ماليا، لأنها تدخل في الحقوق الشخصية المتعلقة بالحياة الخاصة، والأولى هنا تشديد القوانين المتعلقة بنقل هذا الميراث، كما أن الأنظمة المتعلقة في هذا الشأن ما تزال في مرحلة المهد، تحتاج إلى التطوير والمراجعة".
البريم، دعت إلى "ضرورة إيجاد تنظيم قانوني عالي المستوى، لا يخضع للأحكام العامة فحسب، ففي الأردن إشكاليات قانونية عدة تأتي في ظل عدم وجود سوابق قضائية شهدتها المحاكم المحلية، بسبب حداثة الأمر".
"قد يتخوف البعض من فكرة توريث الحسابات الشخصية لذويه حفاظا على خصوصيته بعد وفاته، بالتالي يلجأ خيار حذف حسابه بعد الوفاة، من خلال تركه وصية إلكترونية يوضح بها طريقة التعامل مع موروثه الرقمي المتمثل بحساباته المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي"، بحسب فريد.
تعرف الوصية على ما يقوله فريد أنها "مستند رقمي يدون به الشخص جميع ممتلكاته الرقمية، يوصي بها لشخص أو شركة لإدارة هذا الموروث بعد وفاته، وتعتبر منقذًا في ظل العالم الرقمي المتسارع".
في حين تتساءل خليفات: "من منا تذكر يوما أن يكتب وصية رقمية"، مضيفة أنه "حتى وإن ترك الشخص وصية، فحتما سيتحدث عن ممتلكاته المالية، نادرا ما يتطرق إلى موضوع الحسابات الرقمية، وهنا لا بد من تفعيل دور الجهات المسؤولة في الدولة للتوعية بأهمية كتابة الوصية الرقمية، وتنظيم عملية انتقالها بين الورثة".
قبيل رحيلك عن هذا العالم، قد يطلب منك خلال الأيام المقبلة أن تكتب وصية إلكترونية توضح بها مصير حساباتك الرقمية بعد وفاتك، وإن كنت لا تحبذ كتابة رسائل الوداع، وتود أن تستمر بنفسك بإدارة حساباتك، يمكنك التسجيل في موقع Deadsocial، فهو مختص في إدارة الحسابات بعد وفاة أصحابها من خلال جدولة الرسائل في تواريخ محددة، ليتم نشرها بحسب طلبك.
Comments